♥إعداد فهرس حول شعر النقائض ♥و علاقته بالسياسة ♥
صفحة 1 من اصل 1
♥إعداد فهرس حول شعر النقائض ♥و علاقته بالسياسة ♥
. تعريف فن النقائض
لغة :
النقائض جمع مفرده نقيضة ، والنقض إفساد ما أبرمت من عقد أو بناء ، ونقض البناء هدمه ، ونقض الحبل إذا حلّه ، ونقض العهد إذا تحلل منه ، والنقض ضد الإبرام ، والنقيضة الاسم ويجمع كما قلنا نقائض لذلك قالوا نقائض جرير والفرز دق ) ، والمناقضة في القول أن تتكلم بخلاف معناه.
اصطلاحاً:
هو أن يتجه الشاعر إلى آخر بقصيدة هاجيا ً مفتخرا ً ملتزما ً البحر الذي اختاره الأول والقافية ذاتها وحركة الروي ، إذا ً فلا بد من وحدة الموضوع ووحدة البحر والقافية والروي
مثال : ما قاله الأخطل عندما مدح عبد الملك بن مروان هاجيا ً بني كليب بن يربوع رهط جرير ومفضلاً عليهم بني دارم عشيرة الفرزدق.
2. مقوِّمتها :
اعتمدت النقائض في صورتها الكاملة على عناصر أساسية في لغة الشعراء، منها النَّسَب الذي أصبح في بعض الظروف وعند بعض الناس من المغامز التي يُهاجِم بها الشعراء خصومهم حين يتركون أصولهم إلى غيرها، أو يدَّعون نسبًا ليس لهم. وقد كانت المناقضة تتخذ من النسب مادة للتحقير أو التشكيك أو نفي الشاعر عن قومه أو عدّه في رتبة وضيعة، وكذلك كان الفخر بالأنساب وبمكانة الشاعر من قومه وقرابته من أهل الذكر والبأس والمعروف أساسًا، تدور حوله النقائض سلبًا أو إيجابًا. فاعتمد الشعراء المناقضون على مادة النسب وجعلوها إحدى ركائز هجائهم على أعدائهم وفخرهم بأنفسهم. ومن أسباب ذلك أن المجتمع العربي على عصر بني أمية رجع مرة أخرى إلى العصبية القبلية التي كان عصر النبوة قد أحل محلها العصبيةالدينية. -
ومنها أيضًا أيام العرب التي اعتمدت النقائض عليها في الجاهلية والإسلام، فكان الشعراء يتَّخذون منها موضوعًا للهجاء ويتحاورون فيه، كما صور جزء من النقائض الحياة الاجتماعية أحسن تصوير، ووصف ماجرت عليه أوضاع الناس، ومنها العادات المرعية والأعراف والتقاليد التي يحافظ عليها العربي أشد المحافظة. فكانت السيادة والنجدة والكرم، وكان الحلم والوفاء والحزم من الفضائل التي يتجاذبها المتناقضون، فيدعي الشاعر لنفسه ولقومه الفضل في ذلك. وقد أصبحت النقائض سجلاً أُحصيت فيه أيام العرب ومآثرها وعاداتها وتقاليدها في الجاهلية وفي الإسلام.
3. النقائض في العصر الاموي
يقف الباحثون في ميدان النقد والأدب عند العصر الأموي كثيراً ولاسيما أمام فنين أدبيين ظهرا بشكل متميز في هذا العصر فشغلا بيئتين مهمتين من أقاليم الدولة العربية الأسلامية ، فشاع الغزل في بلاد الحجاز بنوعيه العذري والصريح واشتهر في العراق فن النقائض ذلك الفن الذي استوقف العرب كثيراً لعودته بهم الى الجاهلية التي لازالت تجري في عروقهم ،واشهر أعلام هذا الفن جرير والفرزدق والأخطل ، اذ كان جرير قطب الرحى الذي يطحن علية الداخلون غمار هذه المعركة الأدبية ولم يصمد أمامه الا الفرزدق والأخطل الا ان الموت كان الى جانب جرير اذ توفيُ الأخطل في (95 هـ) والفرزدق في (111 أو 114هـ)كما تذكر الروايات .
4. أسباب ازدهارالنقائض في العصر الأموي :
و هناك أسباب كثيرة لنمو شعراء النقائض منها الاجتماعية وعقلية ومن العوامل الاجتماعية ترجع الى حاجة المجتمع العربي خاصة في البصرة وقد نهضت دراسات دينية وعقلية مختلفة ونشأ بجانبها نوع من الملاهي يجد فيه الفارغون من العمل تسليتهم ، وكذلك العوامل العقلية كان لها دور في صنع النقائض حيث انها تعد الى نمو العقل العربي ومرانه على الحوار والجدل والمناظرة
العوامل الاجتماعية :
إن الفتوحات الاسلامية الكبيرة في تلك الفترة ادت الى دخول المدنية والتمدن الى المجتمع البدوي والذي رافقه دخول الطرب والغناء واللهوا بالنسبة الى مكة والحجاز أما الكوفة والبصرة الذين تمسكا بالبدوية والذي بدوره جعل من سكان هذه المناطق يجدون في النقائض وسيلة لقضاء اوقات الفراغ والتسلية بما يلقيه الشعراء من شعر .
العوامل العقلية :
من اهم العوامل العقلية التي تدخلت في صنع النقائض
• نموا العقل العربي وتوسع مخيلته وخاصة في الحوار والجدل .
• المناضرة السياسية والعقائدية في الفقه والتشريع
•
العوامل الاقتصادية :
وخاصة ما يتصل باسباب المعيشة , فلوا نظرنا الى نقائض جرير والفرزدق لوجدناها قائمة على هذا الاسا س .
العوامل الذاتية :
وتمثلت في وجود الدوافع النفسية أو العاطفية للدخول الى المنافسة الادبية واظهار البراعة والمهارة الشعرية .
5. الاصول الفنية التي تقوم عليها النقائض :
• نقض المعاني
وهو مناط النقائض ومحورها الاصلي الذي يقوم عليه نقض المعاني إفساد الشاعر ما يقره الاول ويكذب ما يدعي أو يضع أراءه ليقلل من شأنه وأهميته , وهذا الاصل جامع لطرق المناطقة وهي على النحو الاتي :
• المخالفة في التفسير
ويتناول بها الشاعران حادثا أو موقفا واحدا وكل شاعر يفسر بما يؤيد موقفه من الفخر والهجاء .
• تكذيب الخصم وإظهار إدعائاته
• مقابلة المعنى بنضيره
• قلب المعاني وردها
• وحدة الموضوع :
وهي ان يعالج الشاعر المناقض في نقيضته الموضوع نفسه الذي عالجه خصمه .
وحدة الوزن الموسيقي ( البحر – العروض )
• وحدة القافية
اي ان تكون القصيدة الثانية على نفس قافية القصيدة الاولى
ومعناه ان الشاعر الاول يكون حر الاختيار وذو مساحة واسعة في ترتيب قصيدته اما الشاعر الثاني فيكون مقيدأ ليس لديه مساحة واسعة في قصيدته .
6. أهم شعرائها وقصائدها
من اهم شعراء النقائض جرير والفرزدق .
وواضح ان جرير والفرزدق درسا تاريخ القبائل العربية في الجاهلية والاسلام وهذا ما يعد وثائق تاريخية طريفة ولم يكن الشاعر يدرس تاريخ القبائل التي يدافع عنها فحسب وانما كان يدرس ايضا تاريخ القبائل التي يهجوها ليقف على الايام التي انهزمت فيها حتى يستطيع ان يبدع في هجائه وسرعان ما وصلت النقائض الى العصر الاموي وليس في المدح والهجاء فحسب وانما امتدت الى النسب والغزل والفخر والولاء وغيره .
6-1.أهم شعراء النقائض في العصر الاموي :
جريــــر :
جرير بن عطية بن حذيفة وهو من بني كليب بن يربوع ، ولد بعد نيف وثلاثين عاماً من الهجرة ، يكنى أبا حزرة ، وكان له عشرة من الولد وكلهم شعراء وأفضلهم وأشعرهم بلال بن جرير ، وكان يقيم جرير في المروت .
وجرير يعتبر من أشد الشعراء الهجائين كان يقول : ((أنا لاابتدي ولكن اعتدي((.
قال أبو عمرو : سئل الأخطل أيك م أشعر قال: أنا امدحهم للملوك وانعتهم للخمر والحمر وأما جرير فأنسبنا واشبهنا وأما الفرزدق فأفخرنا. له ديوان فيه مدح ورثاء وفخر وهجاء وغزل
توفي في اليمامة سنة 110هـ عُرفت عشيرته بانها كانت ترعى الغنم والجمال, ولم يكن لها ما كان لمجاشع عشيرة الفرزدق من المأثر والامجاد
الفــرزدق :
هو همّام بن غالب بن صعصعة، الملقّب بالفرزدق لجهومة وجهه ولأثر للجدري فيه، وُلد في سنة 20هـ بالبصرة، من اُسرة ذات جاه وكرم، كان يتردّد على البلاط الاُموي، بل كان مسؤولاً في البلاط لسدّ ودفع التهمة; لأنّ البعض يحتمل ذلك، كما أنّه يُحسب على الشيعة.
كان الفرزدق شاعراً غير ملتزم لكن في أواخر عمره وحياته قرّر مصيره مع أهل البيت(عليهم السلام). قال ابن رشيق في كتابه العمدة في النقد الأدبي: أبلغ وأفصح بيت قيل بيت الفرزدق في وصف السجّاد(عليه السلام)، حيث يقول:
ما قال لا قطُ إلاّ في تشهُّدِهِ ***** لولا التشهُّدُ كانت لاؤُهُ نَعَمُ
لقد اشتهر الفرزدق في قصيدته الميميّة في حقّ الإمام عليّ بن الحسين(عليه السلام)، حيث وقف في تلك اللحظة وقال الحقّ ممّا يُذكِّرُنا بحديث رسول الله(صلى الله عليه وآله): «أفضل كلمة كلمةُ حقّ عند سلطان جائر»، حيث يروى أنّ هشام بن عبد الملك لم يتمكّن أن يصل إلى الحجر الأسود في موسم الحجّ من شدّة الزحام، وبما أنّ لباس الحجّاج واحد وبدون تمييز بين الأمير والفقير، وفي هذه اللحظة وصل شاب نوراني انشقّت له الصفوف ووصل إلى الحجر، فقال رجل لهشام: مَن هذا الذي فُتح له الطريق بهذه الهيبة والإجلال؟ فأجاب هشام: لا أعرفُه وكان به عارفاً فقال الفرزدق:
أنا أعرفُهُ، وأنشد قصيدته المعروفة، فغضب هشام وسجنه، وقد بدأت قصيدته في مدح زين العابدين(عليه السلام)، حيث يقول:
هذا الذي تعرف البطحاء((1)) وطأَتَهُ((2)) ***** والبيتُ ((3)) يعرفُهُ والحِلُّ والحرمُ
هذا ابن فاطمة إن كنت بِضائرِهِ ***** بِجَدِّه((4)) أنبياءُ الله قد خُتموا
هذا ابن خيرِ عباد الله كلّهم ***** هذا التَّقيُّ النَّقيُّ الطاهِرُ العلَمُ
وليس قولُك: مَنْ هذا؟ بِضائِرهِ ***** العُرْبُ تعرِفُ مَنْ أنكرت والعجمُ
إنْ عُدَّ أهلُ التُّقى كانوا أئمّتَهُم ***** أو قيلَ مَنْ خير أهلالأرضقيل هُمُ((5))
وقد اختلف رواة آخرون في افتتاحيّة هذه القصيدة حيث لم أعثر عليها في ديوانه والتي تبدأ:
يا سائلي أين حل الجود والكرم ***** عندي بيان إذا طلاّبه قدموا
هذا الذي أحمد المختارُ والده ***** صلّى عليه الهي ما جرى القلم
الاخطل
أبو مالك غياث بن غوث الملقّب بالأخطل، وُلد في الحيرة((2)) نحو سنة 20هـ، نصرانيّ الأصل، وأصبح أحد الأصوات والمدافعين عن حكم بني اُميّة، حيث توثّقت علاقته بهم بقوله:
وأنتم أهل بيت لا يُوازنُهم ***** بَيتٌ إذا عُدَّتِ الأحسابُ والعددُ
قومٌ إذا أنعموا كانت فواضِلُهُم((3)) ***** سَيباً((4)) من اللهِ لا منٌّ((5)) ولا حسدُ
إنّ أكثر الشعراء الذين مثّلوا الحزب الاُموي كانوا نفعيّين، مدحوا الحكّام الظالمين طمعاً في المال أو خوفاً من العقاب.
لذلك نجد الأخطل مدح ملوك الاُمويّين ووصف الخمر مشيراً إلى ماضيهم وحقّهم في الخلافة وتقرّب إليهم بهجائه الأنصار خاصّة; لأنّهم كانوا خصوم بني اُميّة، كما نشأ في هذا العصر فنّ اسمه النقائض جمع نقيضة، وهي قصيدة يردّ بها شاعر على قصيدة خصمه فينتقض معانيها وينسب الفخر لنفسه، فنلاحظ الأخطليفتخر بقومه ويهجو قوم جرير هازئاً بهم فيقول:
ما زال فينا رباط الخيل مَعلمةً ***** وفي كليب رباط الذُّلِّ والعارِ((1))
وكذا نلاحظه عندما اتّصل بعبد الملك بن مروان ومدحه لينال من المال أنشده قصيدته التي يقول فيها:
ألستم خير من ركب المطايا ((2))***واندى العالمين بُطونَ راحِ((3))
توفّي الأخطل عام 92هـ. وقيل بانه مات وهو على نصرانيته ولم يًسلم قط .
7. خصائص فن النقائض
لفن النقائض وخصوصاً ما جرى بين جرير و الفرزدق والأخطل خصائص عديدة منها:
1. طول النقيضة
لاختلاط العصبية القبلية بالسياسة ، فكانت النقيضة تخوض في مديح الخلفاء والولاة فأصبحت لا تحتوي على فخر وهجاء فحسب بل تحتوي على مديح وسياسة ، ويقدم الشاعر لكل ذلك ببكاء الأطلال ووصف الرحلة والنسيب ، فاتسمت بالطول ، فلجرير قصيدة رائية أكثر من خمسين بيتاً بدأها برثاء زوجته ووصف المطر ومديح أم حرزة ويبدأ البيت الرابع والعشرين فيها بهجاء الفرزدق فيقول : (الكامل)
لولا الحياء لعادني استعبار ولزرت قبرك والحبيب يزار
ولقد نظرت وما تمتع نظرة في اللحد حيث تمكّن المحفار
ثم يهجو الفرزدق فيقول:
أفأم حرزة يا فرزدق عتيم غضب المليك عليكم القهار
فيرد عليه الفرزدق بقصيدة طويلة وفي البيت الثاني والعشرين يبدأ بهجاء جرير فيقول :
( الطويل)
تحن بزوراء المدينة ناقتي حنين عجول يبتغي البو رائم
ويا ليت زوراء المدينة أصبحت بأحفار فلح أو بسيف الكواظم
ثم يهجو جريراً فيقول/
تحرّك قيس في رؤوس لئيمة أنوفاً وآذاناً لئام المصالم
فجرير من قبيلة قيس
2. التأثر بالإسلام:
عاش شعراء النقائض في بيئة إسلامية ، فدخلت المعاني الإسلامية في صلب النقائض فخراً وهجاء .
وهذا ما يبدو في نقيضة الفرزدق التي يهجو بها جريراً ويفتخر بقومه فيقول: ( الكامل)
إن الذي سمك السماء بنى لنا بيتاً دعائمه أعز وأطول
بيتاً بناه المليك وما بنا حكم السماء فإنه لا ينقل
وهذا مأخوذ من قوله تعالى ) أأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها رفع سمكها فسواها(
وقوله أيضاً: ( الكامل )
ضربت عليك العنكبوت بنسجها وقضى عليك به الكتاب المنزل
وهذا مأخوذ من قوله تعالى ( مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون.
ومن قول جرير الذي كان أشد تأثراً بالإسلام يقول : ( الكامل(
إنّ البعيث وعبد آل مقاعس لا يقرآن بسورة الأحبار
وهذا مأخوذ من قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود}
وغير ذلك من الأشعار التي تبين تأثر شعراء النقائض بالإسلام
3. الإفحاش في الهجاء
لقد هتك شعراء النقائض الأعراض وأباحوا الحرمات بعبارات تؤثر التصريح لا التلميح ، وهذا الهجاء وصل إلى درجة تشمئز منه النفوس وتنكرها الأخلاق والتعاليم الدينية وكان لبعض الأبيات أثر في نفوس من وجهت إليهم فقال جرير:
((ما هجينا بشيء قط أشد علينا من قول الأخطل البسيط ))
مازال فينا رباط الخيل معلمة وفي كليب رباط الذلّ والعار
قوم إذا استنح الأضياف كلبهم قالوا لأمهم : بولي على النار
تمسك البول شحاً لا تجود به ولا تبول لهم إلا بمقدار
فأجابه جرير : ( الكامل)
حيّوا المقام وحيوا ساكن الدار ما كدت تعرف إلا بعد إنكار
كما أنّ الفرزدق يقول في أم جرير : ( الوافر)
قبح الله فقرة في بطنها منها خرجت وكنت فيها تحمل
فأجابه جرير : (الكامل)
قبح الإله بني خفاف ونسوة ٍ بات الخزير لهن كالأحقال
إذاً سلك شعراء النقائض هذا الطريق وهو الهجاء من أجل الرد على الخصم وتقوية حجته
4. اعتماد السخرية
عمد شعراء النقائض إلى هذا الأسلوب ففيه إسفاف وتشنيع الخصم وفي نقائض جرير والفرزدق أمثلة كثيرة على ذلك .
فقد سخر جرير من الفرزدق قائلاً ( الطويل(
وإنك لو تعطي الفرزدق درهماً على دين نصرانية لتنصّر
ومن ذلك أيضاً قوله : ( الوافر(
خذوا كحلاً ومجمرة وعطراً فلستم يا فرزدق بالرجال
ومن ذلك قول الفرزدق في والد جرير (الكامل)
إنّا لنضرب رأس كلّ قبيلةٍ وأبوك خلف أتانه يتقمّل
وقوله أيضاً : (الطويل)
((تركنا جريراً وهو في السوق حابس عطية هل يلقى به من يبادله
فقالوا له ردّ الحمار فإنه أبوك لئيم رأسه وجحافله))
5. توليد المعاني والصور:
كان لشعراء النقائض خيال خصب يبتكرون الصور ويبالغون في المعاني ويخترعون الوقائع والحوادث غير آبهين بما يرتكب في سبيل ذلك من الكذب والبهتان.
فشغل جرير بفكرة القين والحدادة عند الفرزدق فولّد منها المعاني ، فحينما يصفه بأنه قين و ابن قين كان يتعمق في هذه الفكرة ، ويستخرج منها معاني متعددة فيقول : الكامل
ألهى أباك عن كل المكارم والعلا لي الكتائف وارتفاع المرجل
تصف السيوف وغيركم يعصي بما يا ابن القيون و ذاك فعل الصّقل
يقول أيضاً : ( الطويل )
هو القين وابن القين لا قين مثله لفطح المساحي أو لجدل الأداهم
ونلاحظ الفرزدق يسرد في ميميته حوادث وأيام فيقول ( الطويل(
ونحن ضربنا هامة ابن خويلد يزيد على أمّ الفراخ الجواثم
ونحن قتلنا ابني هيّم وأدركت بحيرا بنا ركض الذكور الصلادم
6. استخدام أسلوب المقارنة والموازنة :
وأسلوب الموازنة والمقارنة من أهم سمات النقائض عند الأمويين وخصوصاً عند الفرزدق وجرير والأخطل لجأ إليه الشعراء للاحتجاج و الدقة في التحدي ولتوضيح الفكرة وإظهارها .
يقول الفرزدق : ( الطويل)
أتعدل أحساباً لئام أدقةٍ بأحسابكم إني إلى الله راجع
واضعاً قول الأخطل لجرير : ( الطويل)
أتعدل أحساباً كراماً حماتها بأحسابكم إني إلى الله راجع
ومنها قول الأخطل لجرير : ( البسيط)
أما كليب بن يربوع فليس لهم عند التفارط إيراد و لا صدر
مخافون ويقضي الناس أمرهم وهم بغيب ٍ وفي عمياء ما شعروا
ملطمون بأعقار الحياض فما ينفكّ في دارميّ فيهم أثر
قوم أنابت إليهم كلّ مخزية وكلّ فاحشةٍ سبّت بها مضر
فينقض عليه جرير قائلاً : ( البسيط)
نحن اجتبينا حياض المجد مترعة من حومة لم يخالط صفوها كدر
خابت بنو تغلب إذ دخل فارطهم حوض المكارم إنّ المجد مبتدر
الظاعنون على العمياء إن ظعنوا والسائلون بظهر الغيب ما الخير
6. رصد سقطات الخصم
حاول شعراء النقائض رصد أخطاء وغفلات الخصم لكي ينهلون عليه بالهجاء والشعر المقذع وينظر هنا إلى حادثة نبؤ السيف في يد الفرزدق عندما أمره الخليفة سليمان بن عبد الملك بضرب عنق أحد الأسرى ، وكان قد دس له سيف لا يقطع ، فاستغل هذه الحادثة جرير ، وراح يسخر من الفرزدق فيقول الطويل:
أكلفت قيساً أن نبا سيف غالب وشاعت له أحدوثة في المواسم بسيف لأبي رغوان سيف مجاشع ضربت ولم تضرب بسيف ابن ظالم ضربت عند الإمام فأرعشت يداك وقالوا محدث غير صارم.
**اهم ما تميزت به نقائض جرير والفرزدق والاخطل :
. تبدأ قصيدة جرير بمقدمة طللية , وقصيدة الاخطل بمقدمة خمررية ولعل نصرانية الاخطل قد شفعت له بذكر الخمر والتغني بها على طريقة الاعشى , ولا تبدأ قصيدة الفرزدق بمقدمة بل تبدأ بالهجاء مباشرة .
تقوم النقائض الهجاء , فان جرير كان يتعرض لتغلب ويصفها بالعبودية والذل , وكان الفرزدق ينقض كلامه ويعكس هذه الصورة علية ويستشهد بفرسان تغلب (قوم الاخطل ويذكر انتصاراتهم , و ويرد الاخطل علية ويصور قوم جرير بالاذلاء , ويتفاخر بقوم الفرزدق وبانهم فرسان .
يتعرض جرير لدين الاخطل( النصرانية ) ويقول بانه شارب خمر ولا تجوز شهادته والاخذ بحكمه وان ابناء تغلب اذا قتلوا تلقتهم اللائكة بالقبح لانها تعرف اخلاقهم , وينقضه الفرزدق , و يذكر مأثر تغلب , اما الاخطل فانه ينقضه بان قومه على خلق ععطيم ويحفطون حرمة الجار
تحفل النقائض بتراث القبائل التي ينتمي اليها الشعراء , وتعد سجلا لتاريخ العرب قبل الاسلام .
ان المتتبع لشعراء النقائض يلاحظ اختلاف طرائق تعبيرهم في الخطاب , فهم ما بين اسلوب الخطاب المباشر أو الحديث بلغة الفرد أو الجماعة أو الغائبين .
لجوء اصحاب النقائض الى السخرية كثيرأ والمجون الساخر احيانا , وان دل هذا على شئ فانه يدل على تفتح الذهن العربي في تشقيق المعاني واستنباط الصور وابرازها , او ما يثير الاشمئزاز لما فيه من مجون ورفث وفحش .
**جرير في رثاء زوجته
لولا الحياء لعادني استعبار
لزرت قبرك والحبيب يُزارُ
ولـهت قلبي اذ علتني كبرة وذوو التمائم من بنيك صغار
**الفرزدق في هجائه للاخطل
إن القصائد يا اخطل فاعترف وصلت اليك فجرة الارسانٍ
وعلقت فــــــي الثلاثة رابعاً مثل البكار درقن في الاقران
س / اختلف الفرزدق في المديح والهجاء عن الاخطل وجرير
ج / لما في نفسه من خشونة وصلابة وكذلك يختلف عن جرير في الهجاء لان نفس جرير كانت محملة بمرارة مسرفة , اذ لم يكن له ما للفرزدق من شرف ومجد
**الاخطل في الرد على جرير
قُبح الاه بني كليب انهم لا يحفظون محارم الجار
قوم اذا الحقين بطونهم لم يفزعوا بقوارع الفرقان
8. نماذج من اشعار النقائض
ومن قول الفرزدق في جرير /
يا صاحبي دنا الرواح فسيرا
غلب الفرزدق في الهجاء جريرا
وهذا من قول جرير يقول
فغض الطرف انك من نمير
فلا كعبا بلغت ولا كلابـــــــــا
فهذا الفرزدق يقول/
تحن بزوراء المدينة ناقتي
حنين عجول تبتغي البو رائم
وهذا اعتذار للفرزدق عما قاله/
ولست بمأخوذ بلغو تقوله
اذا لم تعمد عاقدات العزائم
وهذا ما قاله جرير في فسق الفرزدق الذي اشتهر به/
لقد ولت ام الفرزدق فاجرا
وجـــــاءت بوزواز قصير القوائم
وما كان جار للفرزدق مسلم
ليامـــــــن قردا ليله غير نائـــــم
اتيت حدود الله مذ انت يافع
وشبت فما ينهاك شيب الهـــــازم
تتبع في المأخور كل مريبة
ولست باهل
المحصنات الكرائم
ولعل فيما ذكر اكبر الدلالة على ان النقائض عن الشاعر كانت بقصد تسلية الجماعة العاطلة كما ذكرنا وقد بدأت بأسباب قبلية وتطورت بعد ذلك الى مناظرة يراد بها ملء اوقات العاطلين وكانت تقاطع تلك المناظرات بالتهليل والتصفيق ومن ثم لم تأخذ شكلا جادا من اشكال الهجاء المعروفة عند العرب ولذلك كان الخلفاء والولاة يستقدمون الشعار ليتناشدوا امامهم ابتغاء اللهو والتسلية.
الجاهلية والاسلام واضح ان جرير والفرزدق درسا تاريخ القبائل
وهذا ما يعد وثائق تاريخية طريفة ولم يكن الشاعر يدرس تاريخ القبائل التي يدافع عنها فحسب وانما كان يدرس ايضا تاريخ القبائل التي هجوها ليقف على الايام التي انهزمت فيها حتى يستطيع ان يبدع في هجائه وسرعان ما وصلت النقائض الى العصر الاموي وليس في المدح والهجاء فحسب وانما امتدت الى النسب والغزل والفخر والولاء وغيره .
بن قيس الرقيات :
هو عبدالله او عبيد الله وعبيد الله هو الأرجح لان في اخباره انه كان له اخ يسمى عبدالله واما تسميته بالرقيات فهذا يرجع الى تشببه بفتاه تسمى رقية فسمي بالرقيات ، ولد بمكة في العقد الثالث للهجرة وقد انتقل من مكة الى المدينة واقام بها ودفعه الى ذلك تعلقه بالمغنيين والمغنيات
نماذج من اشعاره
هذا ما قاله في مقتل اهل بيته في موقعة الحرة :
ان الحوادث بالمدينة قد
اوجعتني وقرعن مروتيه
ينعى بنو عبد واخوتهم
حل الهلاك على اقاربيـــــــــه
ونعى اسامة لي واخوته
فظللت مستكا مسامعيــــــــه
تبكي لهم اسماء معلولة
وتقول ليلى : وارزيتيــــــه
وتوفى في تلك الاثناء يزيد وتحولت الجزيرة الى حروب فلابد ان تكون الخلافة في قريش ، وهذا قوله في ذلك :
اقفرت بعد عبد شمس كداء
فكدى فالركن فالبطحاء
فقد طمع الجميع في قريش وصرح بذلك قائلا :
حبذا العيش حين قوى جميع
لم تفرق امورها الاهواء .
قبل ان تطمع القبائل في ملك
قريش وتشمت الاعداء .
ثم يأخذ بالفخر في قريش وفضلها على الاسلام والخلافة ويمضي في وصف لصحابة ومديحهم :
إنما مصعب شهاب من الله
تجلت عن وجهه الظلماء
ملكة ملك قوة ليس فيه
جبروت ولا به كبرياء .
وهنا جن جنونه واعلن الحرب على عبدالملك وبني اميه والذين استباحوا المدينة والبيت الحرام ، وقتلوا الحسين في كربلاء وهذا قوله في ذلك
كيف نومي على الفراش ولما
تشمل الشام غارة شعواء
تذهل الشيخ عن بنيه وتبدي
عن برها العقيلة العذراء
انا عنكم بني امية مزور
وانتم في نفسي الاعداء
وهذا قوله في عائشة بنت طلحة ليرتضيها
جنية برزت لتقتلني
مطلية الاصداغ بالمسك
عجبا لمثلك لا يكون له
خرج العراق ومنبر الملك
واخذ على هذا النحو يصول ويجول بشعره ضد بني اميه ونسائهم في دعوة ان الاصلاح لا يتم الا باجتماع الامة وتوحدهم تحت رايه واحدة وبعد مقتل مصعب ذهب الى الكوفة ويطلبه عبدالملك ويختبئ عند امرأة انصارية تسمى كثيرة ويقال انه راسل عبدالعزيز بن مروان كي يشفع له عند اخيه وقيل ان جعفر هو الذي شفع له عند عبدالملك وهذا قوله :
ما نقموا من بني اميه الا
انهم يحملون ان غضبوا
وانهم معدن الملوك فلا
تصلح إلا عليهم العرب
يعتدل التاج فوق
مفرقه على جبين كأنه الذهب
ولم يرضى عبد الملك بهذا وياخذ ابن قيس في قول المزيد حتى يرضيه ليعفو عنه ويجذبه جود عبد العزيز فيرحل إليه ويمكث عنده .
9. شعراء الخوارج :
الطرماح :
الطرماح شاعر طائي نشأ في الشام ، انتقل الى الكوفة ونزل في نبي أميه يقال انه دخل في فرق متعددة منها الازارقة ، والصفرية والقعدة والأغلب انه كان من القعدة .
وكان الطرماح يتعصب لاهل الشام ويقال ان الطرماح ترك الكوفة حينا وذهب الى الري بفارس حيث عني بتأديب الناشئة ونراه يحمل مديحه الى ابواب الامراء والولاة ففي اخباره انه قدم مع الكميت على مخلد بن يزيد ابن المهلب وفي اخباره ايضا انه مدح خالد بن عبدالله القسري الي وصل الى العراق وقد هجا الفرزدق قائللا :
لو حان ورد تميم ثم قيل لها
حوض الرسول عليه الازد لم ترد
او انزل الله وحيا ان يعذبها
ان لم تعد لقتال الازد لم تعـــــــد
لا تامنن تميميا على جسد
قد مات ما لم تزايل اعظم الجسد
وكان الطرماح يستشعر عقيدته احيانا حتى ليتمنى الخروج ويقول واني لمقتاد جوادي وقاذف
به وبنفسي العام احدى المقــــــــــاذف
لاكسب مالا او اوول الى غنى
من الله يكفيني عدات الخلائـــــــــف
فيارب ان جانت وفاتي فلا تكن
على شرجع يعلى بخضر المطارف
وهنا يسأل ربه في الاستشهاد وهو يحارب اما ليقتل شهيدا او ليصبح غنيا مثريا
لله در الشراة انهم
اذا الكرى مال بالطلا أرقوا
يرجعون الحنين أونة
وان علا ساعة بهم شهقوا
خوفا تبينت القلوب واجفة
تكاد عنها الصدور تنفلق
والخلاصة أن من كان يقرأ شعر الطرماح يلاحظ انه يجري على وتيرة لغوية واحدة فهو يصدر من عقيدته وكانما شعره ينقسم الى قسمين قسما اراد به ان يدور على أفواه الناس ، وقسم تعليمي محض .
10. شعراء الشيعة
الكميت
من شعرا ء الشيعة وهو شاعر الزيدية ولعل من الطريف اننا نجد عند اولهما عقيدة الكيسانيةوربما كان هذا الطباع اهم ما يميزالشعر الشيعي في هذا العصر.
مررت على ابيات آل محمد
فلم ارها كعهدها يوم حلت
وكانوا رجاء ثم صاروا رزية
وقد عظمت تلك الرزايا وجلت
ألم تر أن الشمس اضحت مريضة
لفقد حسين والبلاد اقشعرت
وله في الحسين قصيدة رثاه وحض الشيعة على الطلب بدمه وفيها يقول
ليبك حسينا لكما ذر شارق
وعند غسوق الليل من كان باكيا
وياليتني اذا كان كنت شهدته
فضاربت عنه الشانئين الاعاديا
ودافعت عنه ما استطعت مجاهدا
واعلمت سيفي فيهم وسنانــــــا
ويروي انه خرج في جماعة من اصحابه حتى اتي كربلاء فنظر الى مصرع الحسين ورفاقه فأستغفر لهم ونشد يقول
ويا ندمي ان لا اكون نصرته
الا كل نفس لا تسدد نادمـــــــه
واني لاني لم اكن من حماته
لذو حسرة ما ان تفارق لازمه
وكان على هذا النحو كل شاعر شيعي يطوي على نفسه حزنا عميقا على ائمته المستشهدين ورغبة عنيفة في سفك دماء من قتلوهم .
الا بلغ جماعة اهل مرو
على ما كان من ناي وبعد
رسالة ناصح يهدي سلاما
ويامر في الذي ركبوا بجد
فلا تهنوا ولا ترضوا بخسف
ولا يغرركم اسدا لجهاد
فهو يحب ىل البيت لجدهم صلوات الله عليه وسلم وهو حب دفعهم دفعا الى استشعار التقوى وعبادة الله حق عبادته
فحسب من الدنيا كفاف يقيمني
واثواب كتان ازور بها قبري
وحبي ذوي قربي النبي محمد
فما سالنا الا المودة من اجر .
والواضح انه كان يستغرق في عصر بني اميه منازع قوية من حب آل البيت
جميل بن معمر
نشأ في في منازل عذرة بوادي القرى واخذ يختلف الى المدينة وربما الى مكة فقد كان يلقى ابي ربيعه كثيرا ويتناشد الشعر وكان يتصل ببني اميه وفي اخباره انه تلقن الشعر عن هدبه بن الخشرم تلميذ الحطيئة وقد عنى الرواة والناس بأشعاره كما عني بها مغنوا المدينة وهي اشعار يمضي في التغني ببثينه معشوقته وقال حين هجرته :
واني لارضى من بثينة الذي
لو ابصره الواشي لقرت بلابه
بلا وبان لا استطيع وبالمنى
وبالامل المرجو قد خاب آمله
وبالنظرة العجلى وبالحول تنقضي
اواخره لا نلتقي واوائله
وحين تلتمس بثينه فرصة للقائه تشرق الدنيا بوجهه ويسعد سعادة غامرة لا حود لها وينشد في : ذلك قائلا
ولو تركت عقلي معي ما طلبتها
ولكن طلابيها لما فات من عقلي
خليلي فيما عشتما هل رأيتما
قتيلا بكى من حب قاتله قبلي
فلا تقتلني بيا بثين فلم اصب
من الامر ما فيه يحل لكم قتلي
ويمضي في ذلك يشكو حبه المدينة وغيرها وتمضي السنون وحبه يزداد :اليها فينشد قائلا
الا ليت شعري هل ابيتن ليلة
بوادي القرى اني اذن سعيد
وهل القين فردا بثينة مرة
تجود لنا من ودها ونجود
والواضح ان شعره مليئ بالصدق وحرارة العاطفة وظلت بثينه تحفظ له هذا الحب الى ان وافاه القدر بمصر في ولاية عبد العزيز بن مروان وظلت بثينه تبكي عليه الى ان فارقت الحياة.
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، الذي اتخذ من الشعراء من ينافح ويدافع عن الإسلام، وعلى آله وأصحابه ومن نهج نهجهم إلى يوم الدين وبعد:
لقد تنوعت فنون الأدب وتعددت، ومن بين هذه الفنون فن النقائض، و هذا الفن لون جديد من ألوان الأدب والمناظرة الأدبية.
كما وأن فن النقائض يعتبر سجلاً تاريخياً أفادت منه العلماء في معرفة أنساب العرب وأيامهم ومثالبهم، وكان لها فضل على اللغة أمدتها بثروة من الألفاظ وأكسبت المعاجم مادة لغوية، وهذا ما سيتبين لنا من خلال البحث
تعريفه
هو أن يقوم الشاعر بنظم قصيدة يتفاخر فيها بقبيلته ُيمجدها ويدافع عنها ويتعرض لخصومها من القبائل الأخرى, وينبري له شاعر تلك القبيلة ليرد عليه بقصيدة وبنفس الوزن والقافية.
جذور هذا الفن
خلفت مصادر الأدب ودوواين الشعراء قبل الإسلام بمناقضات شعرية كثيرة حدثت بين إمرئ القيس وعبيد الابرص , وعامر بن الطفيل ,وزيد الخيل وغيرهم وفي عصر صدر الإسلام وقف فريقان متناقضان , الأول فريق الإسلام الذي كان يستخدم معاني إسلامية متأثرة بالدين الحنيف , والفريق الثاني فريق الشرك والكفر وكانت معانيه جاهليه قبلية .
النقائص في العصر الأموي
يقف الباحثون في ميدان النقد والأدب عند العصر الأموي كثيراً ولاسيما أمام فنين أدبيين ظهرا بشكل متميز في هذا العصر فشغلا بيئتين مهمتين من أقاليم الدولة العربية الإسلامية ، فشاع الغزل في بلاد الحجاز بنوعيه العذري والصريح واشتهر في العراق فن النقائض ذلك الفن الذي استوقف العرب كثيراً لعودته بهم إلى الجاهلية التي لازالت تجري في عروقهم ،وأشهر أعلام هذا الفن جرير والفرزدق والأخطل ، إذ كان جرير قطب الرحى الذي يطحن علية الداخلون غمار هذه المعركة الأدبية ولم يصمد أمامه إلا الفرزدق والأخطل إلا إن الموت كان إلى جانب جرير إذ توفيُ الأخطل في (95 هـ) والفرزدق في (111 أو 114هـ)كما تذكر الروايات .
ألأسباب التي أدت إلى ازدهار النقائض في العصر الأموي
1- الظروف السياسية :
لقد أثرت الظروف السياسية في تحديد مواقف الشعراء وتضاربت أرائهم بآراء الأحزاب السياسية التي نشأت في العصر الأموي الذين بدورهم اتخذوا من الشعراء دعاة لهم فتباروا الشعراء وتنافسوا في الدفاع عن أحزابهم
2- العصبيات القبلية :
كما أسلفنا سابقا أن الجاهلية ما زالت تجري في عروق أهلها في هذه الفترة في منافراتهم وتفاخرهم بأمجاد قبائلهم والتي كانت تعني لهم الشرف والرفعة وكان هذا واضح جليا عند جرير الذي كان يتحدث عن يربوع وقيس ,وكان الفرزدق يتحدث عن أيام مجاشع وتميم , والأخطل عن تغلب وأيامها ولم يقفوا عند الجاهلية وحسب بل تضمن حديثهم فترة ما بعد الإسلام لان الشاعر كان متمسكا بقبيلته وما تعنيه من أصالة وجذور لهذا الشاعر .
3- العوامل الاجتماعية:
إن الفتوحات الإسلامية الكبيرة في تلك الفترة أدت إلى دخول المدنية والتمدن إلى المجتمع البدوي والذي رافقه دخول الطرب والغناء واللهوا بالنسبة إلى مكة والحجاز أما الكوفة والبصرة الذين تمسكا بالبدوية والذي بدوره جعل من سكان هذه المناطق يجدون في النقائض وسيلة لقضاء أوقات الفراغ والتسلية بما يلقيه الشعراء من شعر .
4- العوامل العقلية:
من أهم العوامل العقلية التي تدخلت في صنع النقائض
•نموا العقل العربي وتوسع مخيلته وخاصة في الحوار والجدل .
•المناضرة السياسية والعقائدية في الفقه والتشريع
5- العوامل الاقتصادية:
وخاصة ما يتصل بأسباب المعيشة , فلوا نظرنا إلى نقائض جرير والفرزدق لوجدناها قائمة على هذا الأساس .
6- العوامل الذاتية :
وتمثلت في وجود الدوافع النفسية أو العاطفية للدخول والى المنافسة الأدبية وإظهار البراعة والمهارة الشعرية .
الأصول الفنية التي تقوم عليها النقائض
1- نقض المعاني
وهو مناط النقائض ومحورها الأصلي الذي يقوم عليه نقض المعاني إفساد الشاعر ما يقره الأول ويكذب ما يدعي أو يضع أراءه ليقلل من شأنه وأهميته , وهذا الأصل جامع لطرق المناطقة وهي على النحو الاتي .
•المخالفة في التفسير .
ويتناول بها الشاعران حادثا أو موقفا واحدا وكل شاعر يفسر بما يؤيد موقفه من الفخر والهجاء .
•تكذيب الخصم وإظهار إدعائاته
•مقابلة المعنى بنضيره
•قلب المعاني وردها
2- وحدة الموضوع :
وهي أن يعالج الشاعر المناقض في نقيضته الموضوع نفسه الذي عالجه خصمه
3- وحدة الوزن الموسيقي ( البحر – العروض )
4- وحدة القافية .أي أن تكون القصيدة الثانية على نفس قافية القصيدة الأولى
ومعناه أن الشاعر الأول يكون حر الاختيار وذو مساحة واسعة في ترتيب قصيدته أما الشاعر الثاني فيكون مقيدأ ليس لديه مساحة واسعة في قصيدته.
نشأة فن النقائض
النقائض من الفنون الشعر القديمة لأنها عرفت منذ العصر الجاهلي ، فقد كان شعراء القبائل المتحاربة يتراشقون بالشعر كما يتراشقون بالسّهام ، وكانوا يهجون ويناقضون بعضهم بعضاً، فينتصر الشاعر بقومه ويرد عليه شاعر القبيلة المعادية ، ثم جاء الإسلام فدارت النقائض بين شعراء المسلمين وشعراء المشركين فدافع شعراء المدينة عن الإسلام والمسلمين ودافع شعراء مكة عن دينهم الوثني ، وعلى الرغم من أن النقائض أيام الرسول صلى الله عليه وسلم تعدّ امتداداً للنقائض في الجاهلية إلا أن تغيراً قد أصابها من حيث الغاية إذا أصبحت دفاعاً عن عقيدة ومبادئ دينية بعد أن كانت دفاعاً عن أعراض القبيلة.
ونقائض الإسلام لم تشتمل على فحش وجرح للأعراض وانتهاك للحرمات كالتي نتلمسّها بشكل واضح في نقائض جرير والفرز دق والأخطل .
ثم ازدهر هذا الفن ازدهاراً كبيراً وواسعاً في العصر الأموي وتحوّل إلى فن مستقل بذاته له أصوله وعناصره وأساليبه ومراميه وأبعاده الاجتماعية والسياسية فأحتلّ مكانة عزيزة وتبوأ منزلة في لوحة الشعر.
وكانت الحياة في العصر الأموي صالحة لقيام مثل هذا الفن ، واستطاع أن يرجع إلى ما كان عليه في الجاهلية الأولى ، لذلك عاشت النقائض في ظله وسايرته إلى النهاية وبلغت في درجتها الفنية وآثارها الأدبية الاجتماعية منتهى ما بلغت في تاريخ الشعر العربي جمعيه ، وهذا ما يقودنا لأن نتبين أسباب النقائض في هذا العصر .
علاقة النقائض بالسياسة:
لو رجعنا إلى العصر الأموي وبحثنا عن سبب انتعاش وتفجر النقائض في هذا العصر لوقفنا على أسباب خاصة وأسباب عامة .
1- الأسباب الخاصة :
أهم هذه الأسباب السبب الاقتصادي فنقائض جرير والأخطل متأثرة به ، إذ أنها قامت على ما كان بين قيس وتغلب من المنافسة على أرض الجزيرة واستغلالها منذ نزلت قيس فنسرين أساءت جوار تغلب فوقف جرير والأخطل متناقضين.
ومن الأسباب الخاصة أيضاً أن الظروف جعلت جريراً يقف في صفوف قيس ، وتصادف (إن صح التعبير ) أن عشيرته أسرعت بالبيعة لابن الزبير ، وتصادف أن قتل مجاشعي الزبير بن العوام ، وتصادف أن لجأت النوار زوج الفرزدق حين غاضبته إلى الزبير فجعل الفرزدق يهجو جريراً.
2- الأسباب العامة :
1- السبب السياسي : وترجع إلى تشجيع الخلفاء أي حكّام بني أمية لهذا الفن ولهذا الشعر بغية صرف الناس عن التفكير في السياسة ، وقد كان لهذا الجانب مظاهر شتى وصور عديدة فمثلاً ما فعل بشر بن مروان بجمع الشعراء على جرير ويغر بهم به وما كان ذلك من بشر إلا تأييدا لسياسة آل مروان.
2- السبب العقلي: وتعود إلى نمو العقل ومرانه الواسع على الحوار والجدل والمناظرة في النّحل السياسية والعقيدية والفقه والتشريع .
خصائص فن النقائض
لفن النقائض وخصوصاً ما جرى بين جرير و الفرزدق والأخطل خصائص عديدة منها:
1- طول النقيضة :
لاختلاط العصبية القبلية بالسياسة ، فكانت النقيضة تخوض في مديح الخلفاء والولاة فأصبحت لا تحتوي على فخر وهجاء فحسب بل تحتوي على مديح وسياسة ، ويقدم الشاعر لكل ذلك ببكاء الأطلال ووصف الرحلة والنسيب ، فاتسمت بالطول ، فلجرير قصيدة رائية أكثر من خمسين بيتاً بدأها برثاء زوجته ووصف المطر ومديح أم حرزة ويبدأ البيت الرابع والعشرين فيها بهجاء الفرزدق فيقول : ( الكامل)
لولا الحياء لعادني استعبار ولزرت قبـرك والحبيب يزار
ولقد نظرت وما تمتع نظرة في اللحد حيث تمكّن المحفار
ثم يهجو الفرزدق فيقول:
أفأم حرزة يا فرزدق عتيم غضب المليك عليكم القهـــار
فيرد عليه الفرزدق بقصيدة طويلة يبدؤها بمقدمة طللية ثم بارتحال الظعائن ثم بالحكمة ، وفي البيت الثاني والعشرين يبدأ بهجاء جرير فيقول : ( الطويل)
تحن بزوراء المدينــــــــة ناقتي حنين عجــول يبتغي البو رائم
ويا ليت زوراء المدينة أصبحت بأحفار فلح أو بسيف الكواظم
ثم يهجو جريراً فيقول
تحرّك قيس في رؤوس لئيمــــة أنوفاً وآذاناً لئام المصــــــــالم
فجرير من قبيلة قيس
2- التأثر بالإسلام:
إذ عاش شعراء النقائض في بيئة إسلامية، فدخلت المعاني الإسلامية في صلب النقائض فخراً وهجاء .
الخاتمة
من خلال دراستنا ولو لجانب بسيط من فن التقائض يتبن لنا ما يلي :
أن فن النقائض فن قديم وجد منذ العصر الجاهلي وترعرع حتى وصل إلى عهد بني أمية، وقد توافرت في هذا العهد الأسباب السياسية الاجتماعية والعقلية لرعاية هذا الفن ، وجذبت إليه الشعراء .
كما ونلاحظ أن هذا النوع من فنون الشعر يحتاج إلى شرائط من حيث اتحاد البحر والروي والمعنى.
كما وقد عرفنا أقطاب هذا الفن في هذا العهد كيف استطاعوا تكريس شعرهم في سيبل الوصول إلى غايتهم.
وعرفنا أنّ فن النقائض أحد الفنون الأدبية الجديدة، وأنه أفد العلماء في معرفة
الأنساب والمفاخر عند العرب.
لغة :
النقائض جمع مفرده نقيضة ، والنقض إفساد ما أبرمت من عقد أو بناء ، ونقض البناء هدمه ، ونقض الحبل إذا حلّه ، ونقض العهد إذا تحلل منه ، والنقض ضد الإبرام ، والنقيضة الاسم ويجمع كما قلنا نقائض لذلك قالوا نقائض جرير والفرز دق ) ، والمناقضة في القول أن تتكلم بخلاف معناه.
اصطلاحاً:
هو أن يتجه الشاعر إلى آخر بقصيدة هاجيا ً مفتخرا ً ملتزما ً البحر الذي اختاره الأول والقافية ذاتها وحركة الروي ، إذا ً فلا بد من وحدة الموضوع ووحدة البحر والقافية والروي
مثال : ما قاله الأخطل عندما مدح عبد الملك بن مروان هاجيا ً بني كليب بن يربوع رهط جرير ومفضلاً عليهم بني دارم عشيرة الفرزدق.
2. مقوِّمتها :
اعتمدت النقائض في صورتها الكاملة على عناصر أساسية في لغة الشعراء، منها النَّسَب الذي أصبح في بعض الظروف وعند بعض الناس من المغامز التي يُهاجِم بها الشعراء خصومهم حين يتركون أصولهم إلى غيرها، أو يدَّعون نسبًا ليس لهم. وقد كانت المناقضة تتخذ من النسب مادة للتحقير أو التشكيك أو نفي الشاعر عن قومه أو عدّه في رتبة وضيعة، وكذلك كان الفخر بالأنساب وبمكانة الشاعر من قومه وقرابته من أهل الذكر والبأس والمعروف أساسًا، تدور حوله النقائض سلبًا أو إيجابًا. فاعتمد الشعراء المناقضون على مادة النسب وجعلوها إحدى ركائز هجائهم على أعدائهم وفخرهم بأنفسهم. ومن أسباب ذلك أن المجتمع العربي على عصر بني أمية رجع مرة أخرى إلى العصبية القبلية التي كان عصر النبوة قد أحل محلها العصبيةالدينية. -
ومنها أيضًا أيام العرب التي اعتمدت النقائض عليها في الجاهلية والإسلام، فكان الشعراء يتَّخذون منها موضوعًا للهجاء ويتحاورون فيه، كما صور جزء من النقائض الحياة الاجتماعية أحسن تصوير، ووصف ماجرت عليه أوضاع الناس، ومنها العادات المرعية والأعراف والتقاليد التي يحافظ عليها العربي أشد المحافظة. فكانت السيادة والنجدة والكرم، وكان الحلم والوفاء والحزم من الفضائل التي يتجاذبها المتناقضون، فيدعي الشاعر لنفسه ولقومه الفضل في ذلك. وقد أصبحت النقائض سجلاً أُحصيت فيه أيام العرب ومآثرها وعاداتها وتقاليدها في الجاهلية وفي الإسلام.
3. النقائض في العصر الاموي
يقف الباحثون في ميدان النقد والأدب عند العصر الأموي كثيراً ولاسيما أمام فنين أدبيين ظهرا بشكل متميز في هذا العصر فشغلا بيئتين مهمتين من أقاليم الدولة العربية الأسلامية ، فشاع الغزل في بلاد الحجاز بنوعيه العذري والصريح واشتهر في العراق فن النقائض ذلك الفن الذي استوقف العرب كثيراً لعودته بهم الى الجاهلية التي لازالت تجري في عروقهم ،واشهر أعلام هذا الفن جرير والفرزدق والأخطل ، اذ كان جرير قطب الرحى الذي يطحن علية الداخلون غمار هذه المعركة الأدبية ولم يصمد أمامه الا الفرزدق والأخطل الا ان الموت كان الى جانب جرير اذ توفيُ الأخطل في (95 هـ) والفرزدق في (111 أو 114هـ)كما تذكر الروايات .
4. أسباب ازدهارالنقائض في العصر الأموي :
و هناك أسباب كثيرة لنمو شعراء النقائض منها الاجتماعية وعقلية ومن العوامل الاجتماعية ترجع الى حاجة المجتمع العربي خاصة في البصرة وقد نهضت دراسات دينية وعقلية مختلفة ونشأ بجانبها نوع من الملاهي يجد فيه الفارغون من العمل تسليتهم ، وكذلك العوامل العقلية كان لها دور في صنع النقائض حيث انها تعد الى نمو العقل العربي ومرانه على الحوار والجدل والمناظرة
العوامل الاجتماعية :
إن الفتوحات الاسلامية الكبيرة في تلك الفترة ادت الى دخول المدنية والتمدن الى المجتمع البدوي والذي رافقه دخول الطرب والغناء واللهوا بالنسبة الى مكة والحجاز أما الكوفة والبصرة الذين تمسكا بالبدوية والذي بدوره جعل من سكان هذه المناطق يجدون في النقائض وسيلة لقضاء اوقات الفراغ والتسلية بما يلقيه الشعراء من شعر .
العوامل العقلية :
من اهم العوامل العقلية التي تدخلت في صنع النقائض
• نموا العقل العربي وتوسع مخيلته وخاصة في الحوار والجدل .
• المناضرة السياسية والعقائدية في الفقه والتشريع
•
العوامل الاقتصادية :
وخاصة ما يتصل باسباب المعيشة , فلوا نظرنا الى نقائض جرير والفرزدق لوجدناها قائمة على هذا الاسا س .
العوامل الذاتية :
وتمثلت في وجود الدوافع النفسية أو العاطفية للدخول الى المنافسة الادبية واظهار البراعة والمهارة الشعرية .
5. الاصول الفنية التي تقوم عليها النقائض :
• نقض المعاني
وهو مناط النقائض ومحورها الاصلي الذي يقوم عليه نقض المعاني إفساد الشاعر ما يقره الاول ويكذب ما يدعي أو يضع أراءه ليقلل من شأنه وأهميته , وهذا الاصل جامع لطرق المناطقة وهي على النحو الاتي :
• المخالفة في التفسير
ويتناول بها الشاعران حادثا أو موقفا واحدا وكل شاعر يفسر بما يؤيد موقفه من الفخر والهجاء .
• تكذيب الخصم وإظهار إدعائاته
• مقابلة المعنى بنضيره
• قلب المعاني وردها
• وحدة الموضوع :
وهي ان يعالج الشاعر المناقض في نقيضته الموضوع نفسه الذي عالجه خصمه .
وحدة الوزن الموسيقي ( البحر – العروض )
• وحدة القافية
اي ان تكون القصيدة الثانية على نفس قافية القصيدة الاولى
ومعناه ان الشاعر الاول يكون حر الاختيار وذو مساحة واسعة في ترتيب قصيدته اما الشاعر الثاني فيكون مقيدأ ليس لديه مساحة واسعة في قصيدته .
6. أهم شعرائها وقصائدها
من اهم شعراء النقائض جرير والفرزدق .
وواضح ان جرير والفرزدق درسا تاريخ القبائل العربية في الجاهلية والاسلام وهذا ما يعد وثائق تاريخية طريفة ولم يكن الشاعر يدرس تاريخ القبائل التي يدافع عنها فحسب وانما كان يدرس ايضا تاريخ القبائل التي يهجوها ليقف على الايام التي انهزمت فيها حتى يستطيع ان يبدع في هجائه وسرعان ما وصلت النقائض الى العصر الاموي وليس في المدح والهجاء فحسب وانما امتدت الى النسب والغزل والفخر والولاء وغيره .
6-1.أهم شعراء النقائض في العصر الاموي :
جريــــر :
جرير بن عطية بن حذيفة وهو من بني كليب بن يربوع ، ولد بعد نيف وثلاثين عاماً من الهجرة ، يكنى أبا حزرة ، وكان له عشرة من الولد وكلهم شعراء وأفضلهم وأشعرهم بلال بن جرير ، وكان يقيم جرير في المروت .
وجرير يعتبر من أشد الشعراء الهجائين كان يقول : ((أنا لاابتدي ولكن اعتدي((.
قال أبو عمرو : سئل الأخطل أيك م أشعر قال: أنا امدحهم للملوك وانعتهم للخمر والحمر وأما جرير فأنسبنا واشبهنا وأما الفرزدق فأفخرنا. له ديوان فيه مدح ورثاء وفخر وهجاء وغزل
توفي في اليمامة سنة 110هـ عُرفت عشيرته بانها كانت ترعى الغنم والجمال, ولم يكن لها ما كان لمجاشع عشيرة الفرزدق من المأثر والامجاد
الفــرزدق :
هو همّام بن غالب بن صعصعة، الملقّب بالفرزدق لجهومة وجهه ولأثر للجدري فيه، وُلد في سنة 20هـ بالبصرة، من اُسرة ذات جاه وكرم، كان يتردّد على البلاط الاُموي، بل كان مسؤولاً في البلاط لسدّ ودفع التهمة; لأنّ البعض يحتمل ذلك، كما أنّه يُحسب على الشيعة.
كان الفرزدق شاعراً غير ملتزم لكن في أواخر عمره وحياته قرّر مصيره مع أهل البيت(عليهم السلام). قال ابن رشيق في كتابه العمدة في النقد الأدبي: أبلغ وأفصح بيت قيل بيت الفرزدق في وصف السجّاد(عليه السلام)، حيث يقول:
ما قال لا قطُ إلاّ في تشهُّدِهِ ***** لولا التشهُّدُ كانت لاؤُهُ نَعَمُ
لقد اشتهر الفرزدق في قصيدته الميميّة في حقّ الإمام عليّ بن الحسين(عليه السلام)، حيث وقف في تلك اللحظة وقال الحقّ ممّا يُذكِّرُنا بحديث رسول الله(صلى الله عليه وآله): «أفضل كلمة كلمةُ حقّ عند سلطان جائر»، حيث يروى أنّ هشام بن عبد الملك لم يتمكّن أن يصل إلى الحجر الأسود في موسم الحجّ من شدّة الزحام، وبما أنّ لباس الحجّاج واحد وبدون تمييز بين الأمير والفقير، وفي هذه اللحظة وصل شاب نوراني انشقّت له الصفوف ووصل إلى الحجر، فقال رجل لهشام: مَن هذا الذي فُتح له الطريق بهذه الهيبة والإجلال؟ فأجاب هشام: لا أعرفُه وكان به عارفاً فقال الفرزدق:
أنا أعرفُهُ، وأنشد قصيدته المعروفة، فغضب هشام وسجنه، وقد بدأت قصيدته في مدح زين العابدين(عليه السلام)، حيث يقول:
هذا الذي تعرف البطحاء((1)) وطأَتَهُ((2)) ***** والبيتُ ((3)) يعرفُهُ والحِلُّ والحرمُ
هذا ابن فاطمة إن كنت بِضائرِهِ ***** بِجَدِّه((4)) أنبياءُ الله قد خُتموا
هذا ابن خيرِ عباد الله كلّهم ***** هذا التَّقيُّ النَّقيُّ الطاهِرُ العلَمُ
وليس قولُك: مَنْ هذا؟ بِضائِرهِ ***** العُرْبُ تعرِفُ مَنْ أنكرت والعجمُ
إنْ عُدَّ أهلُ التُّقى كانوا أئمّتَهُم ***** أو قيلَ مَنْ خير أهلالأرضقيل هُمُ((5))
وقد اختلف رواة آخرون في افتتاحيّة هذه القصيدة حيث لم أعثر عليها في ديوانه والتي تبدأ:
يا سائلي أين حل الجود والكرم ***** عندي بيان إذا طلاّبه قدموا
هذا الذي أحمد المختارُ والده ***** صلّى عليه الهي ما جرى القلم
الاخطل
أبو مالك غياث بن غوث الملقّب بالأخطل، وُلد في الحيرة((2)) نحو سنة 20هـ، نصرانيّ الأصل، وأصبح أحد الأصوات والمدافعين عن حكم بني اُميّة، حيث توثّقت علاقته بهم بقوله:
وأنتم أهل بيت لا يُوازنُهم ***** بَيتٌ إذا عُدَّتِ الأحسابُ والعددُ
قومٌ إذا أنعموا كانت فواضِلُهُم((3)) ***** سَيباً((4)) من اللهِ لا منٌّ((5)) ولا حسدُ
إنّ أكثر الشعراء الذين مثّلوا الحزب الاُموي كانوا نفعيّين، مدحوا الحكّام الظالمين طمعاً في المال أو خوفاً من العقاب.
لذلك نجد الأخطل مدح ملوك الاُمويّين ووصف الخمر مشيراً إلى ماضيهم وحقّهم في الخلافة وتقرّب إليهم بهجائه الأنصار خاصّة; لأنّهم كانوا خصوم بني اُميّة، كما نشأ في هذا العصر فنّ اسمه النقائض جمع نقيضة، وهي قصيدة يردّ بها شاعر على قصيدة خصمه فينتقض معانيها وينسب الفخر لنفسه، فنلاحظ الأخطليفتخر بقومه ويهجو قوم جرير هازئاً بهم فيقول:
ما زال فينا رباط الخيل مَعلمةً ***** وفي كليب رباط الذُّلِّ والعارِ((1))
وكذا نلاحظه عندما اتّصل بعبد الملك بن مروان ومدحه لينال من المال أنشده قصيدته التي يقول فيها:
ألستم خير من ركب المطايا ((2))***واندى العالمين بُطونَ راحِ((3))
توفّي الأخطل عام 92هـ. وقيل بانه مات وهو على نصرانيته ولم يًسلم قط .
7. خصائص فن النقائض
لفن النقائض وخصوصاً ما جرى بين جرير و الفرزدق والأخطل خصائص عديدة منها:
1. طول النقيضة
لاختلاط العصبية القبلية بالسياسة ، فكانت النقيضة تخوض في مديح الخلفاء والولاة فأصبحت لا تحتوي على فخر وهجاء فحسب بل تحتوي على مديح وسياسة ، ويقدم الشاعر لكل ذلك ببكاء الأطلال ووصف الرحلة والنسيب ، فاتسمت بالطول ، فلجرير قصيدة رائية أكثر من خمسين بيتاً بدأها برثاء زوجته ووصف المطر ومديح أم حرزة ويبدأ البيت الرابع والعشرين فيها بهجاء الفرزدق فيقول : (الكامل)
لولا الحياء لعادني استعبار ولزرت قبرك والحبيب يزار
ولقد نظرت وما تمتع نظرة في اللحد حيث تمكّن المحفار
ثم يهجو الفرزدق فيقول:
أفأم حرزة يا فرزدق عتيم غضب المليك عليكم القهار
فيرد عليه الفرزدق بقصيدة طويلة وفي البيت الثاني والعشرين يبدأ بهجاء جرير فيقول :
( الطويل)
تحن بزوراء المدينة ناقتي حنين عجول يبتغي البو رائم
ويا ليت زوراء المدينة أصبحت بأحفار فلح أو بسيف الكواظم
ثم يهجو جريراً فيقول/
تحرّك قيس في رؤوس لئيمة أنوفاً وآذاناً لئام المصالم
فجرير من قبيلة قيس
2. التأثر بالإسلام:
عاش شعراء النقائض في بيئة إسلامية ، فدخلت المعاني الإسلامية في صلب النقائض فخراً وهجاء .
وهذا ما يبدو في نقيضة الفرزدق التي يهجو بها جريراً ويفتخر بقومه فيقول: ( الكامل)
إن الذي سمك السماء بنى لنا بيتاً دعائمه أعز وأطول
بيتاً بناه المليك وما بنا حكم السماء فإنه لا ينقل
وهذا مأخوذ من قوله تعالى ) أأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها رفع سمكها فسواها(
وقوله أيضاً: ( الكامل )
ضربت عليك العنكبوت بنسجها وقضى عليك به الكتاب المنزل
وهذا مأخوذ من قوله تعالى ( مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون.
ومن قول جرير الذي كان أشد تأثراً بالإسلام يقول : ( الكامل(
إنّ البعيث وعبد آل مقاعس لا يقرآن بسورة الأحبار
وهذا مأخوذ من قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود}
وغير ذلك من الأشعار التي تبين تأثر شعراء النقائض بالإسلام
3. الإفحاش في الهجاء
لقد هتك شعراء النقائض الأعراض وأباحوا الحرمات بعبارات تؤثر التصريح لا التلميح ، وهذا الهجاء وصل إلى درجة تشمئز منه النفوس وتنكرها الأخلاق والتعاليم الدينية وكان لبعض الأبيات أثر في نفوس من وجهت إليهم فقال جرير:
((ما هجينا بشيء قط أشد علينا من قول الأخطل البسيط ))
مازال فينا رباط الخيل معلمة وفي كليب رباط الذلّ والعار
قوم إذا استنح الأضياف كلبهم قالوا لأمهم : بولي على النار
تمسك البول شحاً لا تجود به ولا تبول لهم إلا بمقدار
فأجابه جرير : ( الكامل)
حيّوا المقام وحيوا ساكن الدار ما كدت تعرف إلا بعد إنكار
كما أنّ الفرزدق يقول في أم جرير : ( الوافر)
قبح الله فقرة في بطنها منها خرجت وكنت فيها تحمل
فأجابه جرير : (الكامل)
قبح الإله بني خفاف ونسوة ٍ بات الخزير لهن كالأحقال
إذاً سلك شعراء النقائض هذا الطريق وهو الهجاء من أجل الرد على الخصم وتقوية حجته
4. اعتماد السخرية
عمد شعراء النقائض إلى هذا الأسلوب ففيه إسفاف وتشنيع الخصم وفي نقائض جرير والفرزدق أمثلة كثيرة على ذلك .
فقد سخر جرير من الفرزدق قائلاً ( الطويل(
وإنك لو تعطي الفرزدق درهماً على دين نصرانية لتنصّر
ومن ذلك أيضاً قوله : ( الوافر(
خذوا كحلاً ومجمرة وعطراً فلستم يا فرزدق بالرجال
ومن ذلك قول الفرزدق في والد جرير (الكامل)
إنّا لنضرب رأس كلّ قبيلةٍ وأبوك خلف أتانه يتقمّل
وقوله أيضاً : (الطويل)
((تركنا جريراً وهو في السوق حابس عطية هل يلقى به من يبادله
فقالوا له ردّ الحمار فإنه أبوك لئيم رأسه وجحافله))
5. توليد المعاني والصور:
كان لشعراء النقائض خيال خصب يبتكرون الصور ويبالغون في المعاني ويخترعون الوقائع والحوادث غير آبهين بما يرتكب في سبيل ذلك من الكذب والبهتان.
فشغل جرير بفكرة القين والحدادة عند الفرزدق فولّد منها المعاني ، فحينما يصفه بأنه قين و ابن قين كان يتعمق في هذه الفكرة ، ويستخرج منها معاني متعددة فيقول : الكامل
ألهى أباك عن كل المكارم والعلا لي الكتائف وارتفاع المرجل
تصف السيوف وغيركم يعصي بما يا ابن القيون و ذاك فعل الصّقل
يقول أيضاً : ( الطويل )
هو القين وابن القين لا قين مثله لفطح المساحي أو لجدل الأداهم
ونلاحظ الفرزدق يسرد في ميميته حوادث وأيام فيقول ( الطويل(
ونحن ضربنا هامة ابن خويلد يزيد على أمّ الفراخ الجواثم
ونحن قتلنا ابني هيّم وأدركت بحيرا بنا ركض الذكور الصلادم
6. استخدام أسلوب المقارنة والموازنة :
وأسلوب الموازنة والمقارنة من أهم سمات النقائض عند الأمويين وخصوصاً عند الفرزدق وجرير والأخطل لجأ إليه الشعراء للاحتجاج و الدقة في التحدي ولتوضيح الفكرة وإظهارها .
يقول الفرزدق : ( الطويل)
أتعدل أحساباً لئام أدقةٍ بأحسابكم إني إلى الله راجع
واضعاً قول الأخطل لجرير : ( الطويل)
أتعدل أحساباً كراماً حماتها بأحسابكم إني إلى الله راجع
ومنها قول الأخطل لجرير : ( البسيط)
أما كليب بن يربوع فليس لهم عند التفارط إيراد و لا صدر
مخافون ويقضي الناس أمرهم وهم بغيب ٍ وفي عمياء ما شعروا
ملطمون بأعقار الحياض فما ينفكّ في دارميّ فيهم أثر
قوم أنابت إليهم كلّ مخزية وكلّ فاحشةٍ سبّت بها مضر
فينقض عليه جرير قائلاً : ( البسيط)
نحن اجتبينا حياض المجد مترعة من حومة لم يخالط صفوها كدر
خابت بنو تغلب إذ دخل فارطهم حوض المكارم إنّ المجد مبتدر
الظاعنون على العمياء إن ظعنوا والسائلون بظهر الغيب ما الخير
6. رصد سقطات الخصم
حاول شعراء النقائض رصد أخطاء وغفلات الخصم لكي ينهلون عليه بالهجاء والشعر المقذع وينظر هنا إلى حادثة نبؤ السيف في يد الفرزدق عندما أمره الخليفة سليمان بن عبد الملك بضرب عنق أحد الأسرى ، وكان قد دس له سيف لا يقطع ، فاستغل هذه الحادثة جرير ، وراح يسخر من الفرزدق فيقول الطويل:
أكلفت قيساً أن نبا سيف غالب وشاعت له أحدوثة في المواسم بسيف لأبي رغوان سيف مجاشع ضربت ولم تضرب بسيف ابن ظالم ضربت عند الإمام فأرعشت يداك وقالوا محدث غير صارم.
**اهم ما تميزت به نقائض جرير والفرزدق والاخطل :
. تبدأ قصيدة جرير بمقدمة طللية , وقصيدة الاخطل بمقدمة خمررية ولعل نصرانية الاخطل قد شفعت له بذكر الخمر والتغني بها على طريقة الاعشى , ولا تبدأ قصيدة الفرزدق بمقدمة بل تبدأ بالهجاء مباشرة .
تقوم النقائض الهجاء , فان جرير كان يتعرض لتغلب ويصفها بالعبودية والذل , وكان الفرزدق ينقض كلامه ويعكس هذه الصورة علية ويستشهد بفرسان تغلب (قوم الاخطل ويذكر انتصاراتهم , و ويرد الاخطل علية ويصور قوم جرير بالاذلاء , ويتفاخر بقوم الفرزدق وبانهم فرسان .
يتعرض جرير لدين الاخطل( النصرانية ) ويقول بانه شارب خمر ولا تجوز شهادته والاخذ بحكمه وان ابناء تغلب اذا قتلوا تلقتهم اللائكة بالقبح لانها تعرف اخلاقهم , وينقضه الفرزدق , و يذكر مأثر تغلب , اما الاخطل فانه ينقضه بان قومه على خلق ععطيم ويحفطون حرمة الجار
تحفل النقائض بتراث القبائل التي ينتمي اليها الشعراء , وتعد سجلا لتاريخ العرب قبل الاسلام .
ان المتتبع لشعراء النقائض يلاحظ اختلاف طرائق تعبيرهم في الخطاب , فهم ما بين اسلوب الخطاب المباشر أو الحديث بلغة الفرد أو الجماعة أو الغائبين .
لجوء اصحاب النقائض الى السخرية كثيرأ والمجون الساخر احيانا , وان دل هذا على شئ فانه يدل على تفتح الذهن العربي في تشقيق المعاني واستنباط الصور وابرازها , او ما يثير الاشمئزاز لما فيه من مجون ورفث وفحش .
**جرير في رثاء زوجته
لولا الحياء لعادني استعبار
لزرت قبرك والحبيب يُزارُ
ولـهت قلبي اذ علتني كبرة وذوو التمائم من بنيك صغار
**الفرزدق في هجائه للاخطل
إن القصائد يا اخطل فاعترف وصلت اليك فجرة الارسانٍ
وعلقت فــــــي الثلاثة رابعاً مثل البكار درقن في الاقران
س / اختلف الفرزدق في المديح والهجاء عن الاخطل وجرير
ج / لما في نفسه من خشونة وصلابة وكذلك يختلف عن جرير في الهجاء لان نفس جرير كانت محملة بمرارة مسرفة , اذ لم يكن له ما للفرزدق من شرف ومجد
**الاخطل في الرد على جرير
قُبح الاه بني كليب انهم لا يحفظون محارم الجار
قوم اذا الحقين بطونهم لم يفزعوا بقوارع الفرقان
8. نماذج من اشعار النقائض
ومن قول الفرزدق في جرير /
يا صاحبي دنا الرواح فسيرا
غلب الفرزدق في الهجاء جريرا
وهذا من قول جرير يقول
فغض الطرف انك من نمير
فلا كعبا بلغت ولا كلابـــــــــا
فهذا الفرزدق يقول/
تحن بزوراء المدينة ناقتي
حنين عجول تبتغي البو رائم
وهذا اعتذار للفرزدق عما قاله/
ولست بمأخوذ بلغو تقوله
اذا لم تعمد عاقدات العزائم
وهذا ما قاله جرير في فسق الفرزدق الذي اشتهر به/
لقد ولت ام الفرزدق فاجرا
وجـــــاءت بوزواز قصير القوائم
وما كان جار للفرزدق مسلم
ليامـــــــن قردا ليله غير نائـــــم
اتيت حدود الله مذ انت يافع
وشبت فما ينهاك شيب الهـــــازم
تتبع في المأخور كل مريبة
ولست باهل
المحصنات الكرائم
ولعل فيما ذكر اكبر الدلالة على ان النقائض عن الشاعر كانت بقصد تسلية الجماعة العاطلة كما ذكرنا وقد بدأت بأسباب قبلية وتطورت بعد ذلك الى مناظرة يراد بها ملء اوقات العاطلين وكانت تقاطع تلك المناظرات بالتهليل والتصفيق ومن ثم لم تأخذ شكلا جادا من اشكال الهجاء المعروفة عند العرب ولذلك كان الخلفاء والولاة يستقدمون الشعار ليتناشدوا امامهم ابتغاء اللهو والتسلية.
الجاهلية والاسلام واضح ان جرير والفرزدق درسا تاريخ القبائل
وهذا ما يعد وثائق تاريخية طريفة ولم يكن الشاعر يدرس تاريخ القبائل التي يدافع عنها فحسب وانما كان يدرس ايضا تاريخ القبائل التي هجوها ليقف على الايام التي انهزمت فيها حتى يستطيع ان يبدع في هجائه وسرعان ما وصلت النقائض الى العصر الاموي وليس في المدح والهجاء فحسب وانما امتدت الى النسب والغزل والفخر والولاء وغيره .
بن قيس الرقيات :
هو عبدالله او عبيد الله وعبيد الله هو الأرجح لان في اخباره انه كان له اخ يسمى عبدالله واما تسميته بالرقيات فهذا يرجع الى تشببه بفتاه تسمى رقية فسمي بالرقيات ، ولد بمكة في العقد الثالث للهجرة وقد انتقل من مكة الى المدينة واقام بها ودفعه الى ذلك تعلقه بالمغنيين والمغنيات
نماذج من اشعاره
هذا ما قاله في مقتل اهل بيته في موقعة الحرة :
ان الحوادث بالمدينة قد
اوجعتني وقرعن مروتيه
ينعى بنو عبد واخوتهم
حل الهلاك على اقاربيـــــــــه
ونعى اسامة لي واخوته
فظللت مستكا مسامعيــــــــه
تبكي لهم اسماء معلولة
وتقول ليلى : وارزيتيــــــه
وتوفى في تلك الاثناء يزيد وتحولت الجزيرة الى حروب فلابد ان تكون الخلافة في قريش ، وهذا قوله في ذلك :
اقفرت بعد عبد شمس كداء
فكدى فالركن فالبطحاء
فقد طمع الجميع في قريش وصرح بذلك قائلا :
حبذا العيش حين قوى جميع
لم تفرق امورها الاهواء .
قبل ان تطمع القبائل في ملك
قريش وتشمت الاعداء .
ثم يأخذ بالفخر في قريش وفضلها على الاسلام والخلافة ويمضي في وصف لصحابة ومديحهم :
إنما مصعب شهاب من الله
تجلت عن وجهه الظلماء
ملكة ملك قوة ليس فيه
جبروت ولا به كبرياء .
وهنا جن جنونه واعلن الحرب على عبدالملك وبني اميه والذين استباحوا المدينة والبيت الحرام ، وقتلوا الحسين في كربلاء وهذا قوله في ذلك
كيف نومي على الفراش ولما
تشمل الشام غارة شعواء
تذهل الشيخ عن بنيه وتبدي
عن برها العقيلة العذراء
انا عنكم بني امية مزور
وانتم في نفسي الاعداء
وهذا قوله في عائشة بنت طلحة ليرتضيها
جنية برزت لتقتلني
مطلية الاصداغ بالمسك
عجبا لمثلك لا يكون له
خرج العراق ومنبر الملك
واخذ على هذا النحو يصول ويجول بشعره ضد بني اميه ونسائهم في دعوة ان الاصلاح لا يتم الا باجتماع الامة وتوحدهم تحت رايه واحدة وبعد مقتل مصعب ذهب الى الكوفة ويطلبه عبدالملك ويختبئ عند امرأة انصارية تسمى كثيرة ويقال انه راسل عبدالعزيز بن مروان كي يشفع له عند اخيه وقيل ان جعفر هو الذي شفع له عند عبدالملك وهذا قوله :
ما نقموا من بني اميه الا
انهم يحملون ان غضبوا
وانهم معدن الملوك فلا
تصلح إلا عليهم العرب
يعتدل التاج فوق
مفرقه على جبين كأنه الذهب
ولم يرضى عبد الملك بهذا وياخذ ابن قيس في قول المزيد حتى يرضيه ليعفو عنه ويجذبه جود عبد العزيز فيرحل إليه ويمكث عنده .
9. شعراء الخوارج :
الطرماح :
الطرماح شاعر طائي نشأ في الشام ، انتقل الى الكوفة ونزل في نبي أميه يقال انه دخل في فرق متعددة منها الازارقة ، والصفرية والقعدة والأغلب انه كان من القعدة .
وكان الطرماح يتعصب لاهل الشام ويقال ان الطرماح ترك الكوفة حينا وذهب الى الري بفارس حيث عني بتأديب الناشئة ونراه يحمل مديحه الى ابواب الامراء والولاة ففي اخباره انه قدم مع الكميت على مخلد بن يزيد ابن المهلب وفي اخباره ايضا انه مدح خالد بن عبدالله القسري الي وصل الى العراق وقد هجا الفرزدق قائللا :
لو حان ورد تميم ثم قيل لها
حوض الرسول عليه الازد لم ترد
او انزل الله وحيا ان يعذبها
ان لم تعد لقتال الازد لم تعـــــــد
لا تامنن تميميا على جسد
قد مات ما لم تزايل اعظم الجسد
وكان الطرماح يستشعر عقيدته احيانا حتى ليتمنى الخروج ويقول واني لمقتاد جوادي وقاذف
به وبنفسي العام احدى المقــــــــــاذف
لاكسب مالا او اوول الى غنى
من الله يكفيني عدات الخلائـــــــــف
فيارب ان جانت وفاتي فلا تكن
على شرجع يعلى بخضر المطارف
وهنا يسأل ربه في الاستشهاد وهو يحارب اما ليقتل شهيدا او ليصبح غنيا مثريا
لله در الشراة انهم
اذا الكرى مال بالطلا أرقوا
يرجعون الحنين أونة
وان علا ساعة بهم شهقوا
خوفا تبينت القلوب واجفة
تكاد عنها الصدور تنفلق
والخلاصة أن من كان يقرأ شعر الطرماح يلاحظ انه يجري على وتيرة لغوية واحدة فهو يصدر من عقيدته وكانما شعره ينقسم الى قسمين قسما اراد به ان يدور على أفواه الناس ، وقسم تعليمي محض .
10. شعراء الشيعة
الكميت
من شعرا ء الشيعة وهو شاعر الزيدية ولعل من الطريف اننا نجد عند اولهما عقيدة الكيسانيةوربما كان هذا الطباع اهم ما يميزالشعر الشيعي في هذا العصر.
مررت على ابيات آل محمد
فلم ارها كعهدها يوم حلت
وكانوا رجاء ثم صاروا رزية
وقد عظمت تلك الرزايا وجلت
ألم تر أن الشمس اضحت مريضة
لفقد حسين والبلاد اقشعرت
وله في الحسين قصيدة رثاه وحض الشيعة على الطلب بدمه وفيها يقول
ليبك حسينا لكما ذر شارق
وعند غسوق الليل من كان باكيا
وياليتني اذا كان كنت شهدته
فضاربت عنه الشانئين الاعاديا
ودافعت عنه ما استطعت مجاهدا
واعلمت سيفي فيهم وسنانــــــا
ويروي انه خرج في جماعة من اصحابه حتى اتي كربلاء فنظر الى مصرع الحسين ورفاقه فأستغفر لهم ونشد يقول
ويا ندمي ان لا اكون نصرته
الا كل نفس لا تسدد نادمـــــــه
واني لاني لم اكن من حماته
لذو حسرة ما ان تفارق لازمه
وكان على هذا النحو كل شاعر شيعي يطوي على نفسه حزنا عميقا على ائمته المستشهدين ورغبة عنيفة في سفك دماء من قتلوهم .
الا بلغ جماعة اهل مرو
على ما كان من ناي وبعد
رسالة ناصح يهدي سلاما
ويامر في الذي ركبوا بجد
فلا تهنوا ولا ترضوا بخسف
ولا يغرركم اسدا لجهاد
فهو يحب ىل البيت لجدهم صلوات الله عليه وسلم وهو حب دفعهم دفعا الى استشعار التقوى وعبادة الله حق عبادته
فحسب من الدنيا كفاف يقيمني
واثواب كتان ازور بها قبري
وحبي ذوي قربي النبي محمد
فما سالنا الا المودة من اجر .
والواضح انه كان يستغرق في عصر بني اميه منازع قوية من حب آل البيت
جميل بن معمر
نشأ في في منازل عذرة بوادي القرى واخذ يختلف الى المدينة وربما الى مكة فقد كان يلقى ابي ربيعه كثيرا ويتناشد الشعر وكان يتصل ببني اميه وفي اخباره انه تلقن الشعر عن هدبه بن الخشرم تلميذ الحطيئة وقد عنى الرواة والناس بأشعاره كما عني بها مغنوا المدينة وهي اشعار يمضي في التغني ببثينه معشوقته وقال حين هجرته :
واني لارضى من بثينة الذي
لو ابصره الواشي لقرت بلابه
بلا وبان لا استطيع وبالمنى
وبالامل المرجو قد خاب آمله
وبالنظرة العجلى وبالحول تنقضي
اواخره لا نلتقي واوائله
وحين تلتمس بثينه فرصة للقائه تشرق الدنيا بوجهه ويسعد سعادة غامرة لا حود لها وينشد في : ذلك قائلا
ولو تركت عقلي معي ما طلبتها
ولكن طلابيها لما فات من عقلي
خليلي فيما عشتما هل رأيتما
قتيلا بكى من حب قاتله قبلي
فلا تقتلني بيا بثين فلم اصب
من الامر ما فيه يحل لكم قتلي
ويمضي في ذلك يشكو حبه المدينة وغيرها وتمضي السنون وحبه يزداد :اليها فينشد قائلا
الا ليت شعري هل ابيتن ليلة
بوادي القرى اني اذن سعيد
وهل القين فردا بثينة مرة
تجود لنا من ودها ونجود
والواضح ان شعره مليئ بالصدق وحرارة العاطفة وظلت بثينه تحفظ له هذا الحب الى ان وافاه القدر بمصر في ولاية عبد العزيز بن مروان وظلت بثينه تبكي عليه الى ان فارقت الحياة.
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، الذي اتخذ من الشعراء من ينافح ويدافع عن الإسلام، وعلى آله وأصحابه ومن نهج نهجهم إلى يوم الدين وبعد:
لقد تنوعت فنون الأدب وتعددت، ومن بين هذه الفنون فن النقائض، و هذا الفن لون جديد من ألوان الأدب والمناظرة الأدبية.
كما وأن فن النقائض يعتبر سجلاً تاريخياً أفادت منه العلماء في معرفة أنساب العرب وأيامهم ومثالبهم، وكان لها فضل على اللغة أمدتها بثروة من الألفاظ وأكسبت المعاجم مادة لغوية، وهذا ما سيتبين لنا من خلال البحث
تعريفه
هو أن يقوم الشاعر بنظم قصيدة يتفاخر فيها بقبيلته ُيمجدها ويدافع عنها ويتعرض لخصومها من القبائل الأخرى, وينبري له شاعر تلك القبيلة ليرد عليه بقصيدة وبنفس الوزن والقافية.
جذور هذا الفن
خلفت مصادر الأدب ودوواين الشعراء قبل الإسلام بمناقضات شعرية كثيرة حدثت بين إمرئ القيس وعبيد الابرص , وعامر بن الطفيل ,وزيد الخيل وغيرهم وفي عصر صدر الإسلام وقف فريقان متناقضان , الأول فريق الإسلام الذي كان يستخدم معاني إسلامية متأثرة بالدين الحنيف , والفريق الثاني فريق الشرك والكفر وكانت معانيه جاهليه قبلية .
النقائص في العصر الأموي
يقف الباحثون في ميدان النقد والأدب عند العصر الأموي كثيراً ولاسيما أمام فنين أدبيين ظهرا بشكل متميز في هذا العصر فشغلا بيئتين مهمتين من أقاليم الدولة العربية الإسلامية ، فشاع الغزل في بلاد الحجاز بنوعيه العذري والصريح واشتهر في العراق فن النقائض ذلك الفن الذي استوقف العرب كثيراً لعودته بهم إلى الجاهلية التي لازالت تجري في عروقهم ،وأشهر أعلام هذا الفن جرير والفرزدق والأخطل ، إذ كان جرير قطب الرحى الذي يطحن علية الداخلون غمار هذه المعركة الأدبية ولم يصمد أمامه إلا الفرزدق والأخطل إلا إن الموت كان إلى جانب جرير إذ توفيُ الأخطل في (95 هـ) والفرزدق في (111 أو 114هـ)كما تذكر الروايات .
ألأسباب التي أدت إلى ازدهار النقائض في العصر الأموي
1- الظروف السياسية :
لقد أثرت الظروف السياسية في تحديد مواقف الشعراء وتضاربت أرائهم بآراء الأحزاب السياسية التي نشأت في العصر الأموي الذين بدورهم اتخذوا من الشعراء دعاة لهم فتباروا الشعراء وتنافسوا في الدفاع عن أحزابهم
2- العصبيات القبلية :
كما أسلفنا سابقا أن الجاهلية ما زالت تجري في عروق أهلها في هذه الفترة في منافراتهم وتفاخرهم بأمجاد قبائلهم والتي كانت تعني لهم الشرف والرفعة وكان هذا واضح جليا عند جرير الذي كان يتحدث عن يربوع وقيس ,وكان الفرزدق يتحدث عن أيام مجاشع وتميم , والأخطل عن تغلب وأيامها ولم يقفوا عند الجاهلية وحسب بل تضمن حديثهم فترة ما بعد الإسلام لان الشاعر كان متمسكا بقبيلته وما تعنيه من أصالة وجذور لهذا الشاعر .
3- العوامل الاجتماعية:
إن الفتوحات الإسلامية الكبيرة في تلك الفترة أدت إلى دخول المدنية والتمدن إلى المجتمع البدوي والذي رافقه دخول الطرب والغناء واللهوا بالنسبة إلى مكة والحجاز أما الكوفة والبصرة الذين تمسكا بالبدوية والذي بدوره جعل من سكان هذه المناطق يجدون في النقائض وسيلة لقضاء أوقات الفراغ والتسلية بما يلقيه الشعراء من شعر .
4- العوامل العقلية:
من أهم العوامل العقلية التي تدخلت في صنع النقائض
•نموا العقل العربي وتوسع مخيلته وخاصة في الحوار والجدل .
•المناضرة السياسية والعقائدية في الفقه والتشريع
5- العوامل الاقتصادية:
وخاصة ما يتصل بأسباب المعيشة , فلوا نظرنا إلى نقائض جرير والفرزدق لوجدناها قائمة على هذا الأساس .
6- العوامل الذاتية :
وتمثلت في وجود الدوافع النفسية أو العاطفية للدخول والى المنافسة الأدبية وإظهار البراعة والمهارة الشعرية .
الأصول الفنية التي تقوم عليها النقائض
1- نقض المعاني
وهو مناط النقائض ومحورها الأصلي الذي يقوم عليه نقض المعاني إفساد الشاعر ما يقره الأول ويكذب ما يدعي أو يضع أراءه ليقلل من شأنه وأهميته , وهذا الأصل جامع لطرق المناطقة وهي على النحو الاتي .
•المخالفة في التفسير .
ويتناول بها الشاعران حادثا أو موقفا واحدا وكل شاعر يفسر بما يؤيد موقفه من الفخر والهجاء .
•تكذيب الخصم وإظهار إدعائاته
•مقابلة المعنى بنضيره
•قلب المعاني وردها
2- وحدة الموضوع :
وهي أن يعالج الشاعر المناقض في نقيضته الموضوع نفسه الذي عالجه خصمه
3- وحدة الوزن الموسيقي ( البحر – العروض )
4- وحدة القافية .أي أن تكون القصيدة الثانية على نفس قافية القصيدة الأولى
ومعناه أن الشاعر الأول يكون حر الاختيار وذو مساحة واسعة في ترتيب قصيدته أما الشاعر الثاني فيكون مقيدأ ليس لديه مساحة واسعة في قصيدته.
نشأة فن النقائض
النقائض من الفنون الشعر القديمة لأنها عرفت منذ العصر الجاهلي ، فقد كان شعراء القبائل المتحاربة يتراشقون بالشعر كما يتراشقون بالسّهام ، وكانوا يهجون ويناقضون بعضهم بعضاً، فينتصر الشاعر بقومه ويرد عليه شاعر القبيلة المعادية ، ثم جاء الإسلام فدارت النقائض بين شعراء المسلمين وشعراء المشركين فدافع شعراء المدينة عن الإسلام والمسلمين ودافع شعراء مكة عن دينهم الوثني ، وعلى الرغم من أن النقائض أيام الرسول صلى الله عليه وسلم تعدّ امتداداً للنقائض في الجاهلية إلا أن تغيراً قد أصابها من حيث الغاية إذا أصبحت دفاعاً عن عقيدة ومبادئ دينية بعد أن كانت دفاعاً عن أعراض القبيلة.
ونقائض الإسلام لم تشتمل على فحش وجرح للأعراض وانتهاك للحرمات كالتي نتلمسّها بشكل واضح في نقائض جرير والفرز دق والأخطل .
ثم ازدهر هذا الفن ازدهاراً كبيراً وواسعاً في العصر الأموي وتحوّل إلى فن مستقل بذاته له أصوله وعناصره وأساليبه ومراميه وأبعاده الاجتماعية والسياسية فأحتلّ مكانة عزيزة وتبوأ منزلة في لوحة الشعر.
وكانت الحياة في العصر الأموي صالحة لقيام مثل هذا الفن ، واستطاع أن يرجع إلى ما كان عليه في الجاهلية الأولى ، لذلك عاشت النقائض في ظله وسايرته إلى النهاية وبلغت في درجتها الفنية وآثارها الأدبية الاجتماعية منتهى ما بلغت في تاريخ الشعر العربي جمعيه ، وهذا ما يقودنا لأن نتبين أسباب النقائض في هذا العصر .
علاقة النقائض بالسياسة:
لو رجعنا إلى العصر الأموي وبحثنا عن سبب انتعاش وتفجر النقائض في هذا العصر لوقفنا على أسباب خاصة وأسباب عامة .
1- الأسباب الخاصة :
أهم هذه الأسباب السبب الاقتصادي فنقائض جرير والأخطل متأثرة به ، إذ أنها قامت على ما كان بين قيس وتغلب من المنافسة على أرض الجزيرة واستغلالها منذ نزلت قيس فنسرين أساءت جوار تغلب فوقف جرير والأخطل متناقضين.
ومن الأسباب الخاصة أيضاً أن الظروف جعلت جريراً يقف في صفوف قيس ، وتصادف (إن صح التعبير ) أن عشيرته أسرعت بالبيعة لابن الزبير ، وتصادف أن قتل مجاشعي الزبير بن العوام ، وتصادف أن لجأت النوار زوج الفرزدق حين غاضبته إلى الزبير فجعل الفرزدق يهجو جريراً.
2- الأسباب العامة :
1- السبب السياسي : وترجع إلى تشجيع الخلفاء أي حكّام بني أمية لهذا الفن ولهذا الشعر بغية صرف الناس عن التفكير في السياسة ، وقد كان لهذا الجانب مظاهر شتى وصور عديدة فمثلاً ما فعل بشر بن مروان بجمع الشعراء على جرير ويغر بهم به وما كان ذلك من بشر إلا تأييدا لسياسة آل مروان.
2- السبب العقلي: وتعود إلى نمو العقل ومرانه الواسع على الحوار والجدل والمناظرة في النّحل السياسية والعقيدية والفقه والتشريع .
خصائص فن النقائض
لفن النقائض وخصوصاً ما جرى بين جرير و الفرزدق والأخطل خصائص عديدة منها:
1- طول النقيضة :
لاختلاط العصبية القبلية بالسياسة ، فكانت النقيضة تخوض في مديح الخلفاء والولاة فأصبحت لا تحتوي على فخر وهجاء فحسب بل تحتوي على مديح وسياسة ، ويقدم الشاعر لكل ذلك ببكاء الأطلال ووصف الرحلة والنسيب ، فاتسمت بالطول ، فلجرير قصيدة رائية أكثر من خمسين بيتاً بدأها برثاء زوجته ووصف المطر ومديح أم حرزة ويبدأ البيت الرابع والعشرين فيها بهجاء الفرزدق فيقول : ( الكامل)
لولا الحياء لعادني استعبار ولزرت قبـرك والحبيب يزار
ولقد نظرت وما تمتع نظرة في اللحد حيث تمكّن المحفار
ثم يهجو الفرزدق فيقول:
أفأم حرزة يا فرزدق عتيم غضب المليك عليكم القهـــار
فيرد عليه الفرزدق بقصيدة طويلة يبدؤها بمقدمة طللية ثم بارتحال الظعائن ثم بالحكمة ، وفي البيت الثاني والعشرين يبدأ بهجاء جرير فيقول : ( الطويل)
تحن بزوراء المدينــــــــة ناقتي حنين عجــول يبتغي البو رائم
ويا ليت زوراء المدينة أصبحت بأحفار فلح أو بسيف الكواظم
ثم يهجو جريراً فيقول
تحرّك قيس في رؤوس لئيمــــة أنوفاً وآذاناً لئام المصــــــــالم
فجرير من قبيلة قيس
2- التأثر بالإسلام:
إذ عاش شعراء النقائض في بيئة إسلامية، فدخلت المعاني الإسلامية في صلب النقائض فخراً وهجاء .
الخاتمة
من خلال دراستنا ولو لجانب بسيط من فن التقائض يتبن لنا ما يلي :
أن فن النقائض فن قديم وجد منذ العصر الجاهلي وترعرع حتى وصل إلى عهد بني أمية، وقد توافرت في هذا العهد الأسباب السياسية الاجتماعية والعقلية لرعاية هذا الفن ، وجذبت إليه الشعراء .
كما ونلاحظ أن هذا النوع من فنون الشعر يحتاج إلى شرائط من حيث اتحاد البحر والروي والمعنى.
كما وقد عرفنا أقطاب هذا الفن في هذا العهد كيف استطاعوا تكريس شعرهم في سيبل الوصول إلى غايتهم.
وعرفنا أنّ فن النقائض أحد الفنون الأدبية الجديدة، وأنه أفد العلماء في معرفة
الأنساب والمفاخر عند العرب.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى